Black and white picture of three men wearing futuristic face shields and covers. Scene is from the mid- 20th century, men are wearing jackets.

حدود: خلف القناع" فيلم لخليفة عبد الله آل ثاني"

"حدود: خلف القناع" فيلم لخليفة عبد الله آل ثاني

المشاركة مع صديق

عندما كتبت سيناريو فيلمنا الروائي القصير «حدود» عام 2018، استوحيت مظهر الشخصيات ومشاعرها من الأحداث العالمية المأساوية التي وقعت في أوائل القرن العشرين مثل الحرب العالمية الثانية وجائحة إنفلونزا 1918. وحيث إننا وقتها كنا غير مدركين لما سيحدث لاحقًا، فقد كان للفيلم نتائج مختلفة عندما وقعت جائحة كوفيد-19. كان من المفترض أن يبدأ الإنتاج في فبراير 2020، ولكن كان علينا تأجيله لمدة عام. لم يكن السيناريو بحاجة إلى مزيد من التنقيح حيث كُتب ليجسد عالمًا بائسًا، وقد كنا نعيش فيه بالفعل.

تُشير الأزياء إلى طراز «الستيمبانك»، الذي يبدو جليًّا في أقنعة الشخصيات. كلما تقدم بطل قصتنا يتحول لون الأقنعة من الأبيض إلى الأزرق، ثم الأخضر لتنتهي باللون الأحمر، وتُعد هذه الألوان مؤشرًا ومرجعًا لوضع المنطقة، مما يساعد على تهيئة الأجواء كلما اشتدت الأحداث. تُشوه هذه الأقنعة وجوه الشخصيات، إلا أنها تُستعمل لحماية المواطنين؛ إنها تمثل إحساسًا أعمق بالقمع والخوف. تُرتدى الأقنعة أساسًا للحماية، لكنها تخفي وراءها أيضًا قصة أكبر عن عالمنا، عالمٌ يُفرض فيه اتباع القواعد والقيود، ويلزم على جميع المواطنين اتباع القوانين والانصياع لها. كلما تعمقنا باكتشاف هذا العالم، نجده عالماً ظالماً.

-

لم يكن تصور عالم تتضاعف فيه تدابير الصحة والسلامة في المطارات تصورًا بعيدًا عن الواقع. فحتى قبل أن تجتاحنا جائحة كوفيد-19، سبق وواجهنا حالات من الإنفلونزا والأوبئة التي أجبرت المسافرين على اتخاذ التدابير الاحترازية. أثناء كتابة المسودات الأولية لفيلم «حدود»، كنت أعتزم ربط الفحص الطبي الشنيع للمسافر بأصله أو عرقه واستخدام النتيجة لتحديد أهليته للصعود على متن الطائرة، مع الأخذ في عين الاعتبار أن الأدوات المستخدمة في الفيلم مبرمجة وفقًا لقواعد النظام، من تعقب الموقع الجغرافي إلى اختبار كشف الكذب، والماسحات الضوئية لقزحية العين وما نحو ذلك، ويُفرض على بعض الأعراق اتخاذ تدابير إضافية.

بينما نتابع بطلنا محمد وهو يتعمق أكثر في العالم الجديد المخيف، تزداد تفاصيل الأشخاص الذين يلتقيهم خطورة- بدءًا من اللون الأبيض الذي يخيم على المنطقة الطبية وانتقالاً إلى الملابس الجلدية للمسؤول العسكري الذي يستجوبه والشبيهة بزيّ الشرطة العسكرية الألمانية. ويشير اختيار الجنود المدججين بالسلاح في منطقة الدفاع العسكري إلى سياسة الكيل بمكيالين العنصرية التي كانت حاضرة أثناء الاحتجاجات التي قادتها حركة «حياة السود مهمة» في كابيتول هيل، والتي كانت تحابي أحد الأعراق بينما تمارس التنميط العنصري على الأعراق الأخرى. وهنا، تعود الأقنعة العسكرية بذاكرتنا إلى مشهد الحرب العالمية الثانية، الأمر الذي يعزز الشعور بأن عالمنا هذا هو عالم يغيب عنه اليقين، ففي أي لحظة يمكن لفتيل ما أن يشتعل، وفي ومضة عين يتغير كل شيء.

-
-
-

يرافقنا موضوع الدولة المقموعة والخاضعة للمراقبة طوال الفيلم، لينعكس على القضايا التي يواجهها العديد من العرب والأعراق الأخرى عبر الحدود. حيث تكثر عمليات التفتيش المنتظمة والتنميط العنصري في المطارات ومعابر الحدود. تُثبت النظرة العرضية، من إحدى كاميرات المراقبة التي ترصد شخصية محمد، أن رحلته تخضع للتسجيل، والتدقيق وفي نهاية المطاف يُمنع من السفر من قبل نظام يتسم بالتمييز العنصري. ليس هذا فقط، بل حتى التلفظ بأي عبارة عربية شائعة يُعتبر تهديدًا لهذا النظام المبني على الخوف والجهل.

-

يحمل فيلم «حدود» في طياته رموزًا شتى، إذ تظهر العديد من الرسائل الخفية في ملصقات المطار المنتشرة في كل الأرجاء، بعبارات تنطوي على أوامر قمعية. تتغير ألوان الفيلم ونحن نشهد رحلة الشخصية تغطس في الظلام والعالم الأجوف مع مرور الوقت. فوجود اللون الأحمر الذي يرمز إلى الجحيم ليس من قبيل الصدفة، حيث ينتهي المطاف بمحمد في قبو مشؤوم ليمكث فيه مع الأرواح المفقودة الأخرى ريثما يكملون مسيرتهم إلى الجحيم.

أخيرًا، فإن التصوير السينمائي للفيلم يهدف إلى تعقب مسيرة الشخصية الرئيسية ومتابعتها، فمحمد حاضر دومًا في كل لقطة من الفيلم، فنحن نتبع محمد في هذه الرحلة حالنا حال النظام الذي يراقبه حتى لو لم نكن ننظر إليه مباشرة، فنحن خلفه، نتعقبه أو حتى نراقبه من الأعلى من عين النظام الواسع لكاميرات المراقبة. يُقدم الفيلم رؤية للعالم العديم الروح، حيث سُلبت الحياة من النغمات لتغدو بكماء، وأُزيلت الألوان والتعابير المُبهجة من كل لوحة ألوان، حتى اللعبتين اللتين تظهران في الفيلم فإما تُخلِّص منهما وإما تحولتا إلى شيء آخر. يهدف الفيلم إلى عرض الشرخ الصغير الذي أصاب الواقع الحي، والجهل الذي نعيشه في عالمنا اليوم، فلا شيء يفلت من النظام، نُقدم لكم مشهدًا موسعًا لعالم دفع بمحمد إلى الفشل، عالم يُذكرنا بأن الرحلة إلى المطار ليست عطلة استجمام للبعض.


man in a steampunk gas mask, man in lab coat with glasses and white hood-mask, man in beige gas mask and PPE, man with black gas mask and hat