pink building by AI

الخيمياء في مجال المعمار: اعتماد الذكاء الاصطناعي كمحفز للإبداع والتنوع الثقافي

إن استخدام الذكاء الاصطناعي في مجالي الهندسة المعمارية والتصميم ليس بالمفهوم الجديد.

المشاركة مع صديق

بصفتي مهندسة معمارية سافرتْ من المملكة العربية السعودية إلى الولايات المتحدة، ألهمني كثيراً تفاعل الثقافات، وإمكانات التصميم اللامحدودة، والمشهد المتغير للتكنولوجيا. فطوال مسيرتي المهنية، ربطت بين عالمي الهندسة المعمارية والفن الرقمي، حتى تماهت الخطوط الفاصلة بين هذين المجالين. لقد بدأتُ مؤخرًا في تبني الذكاء الاصطناعي (AI) كشريك تعاوني في عملية إبداع فضاءات وتجارب تتخطّى حدود المألوف، ولم أعد أنظر إلى الهندسة المعمارية كمرادف للبناء فحسب.

إن استخدام الذكاء الاصطناعي في مجالي الهندسة المعمارية والتصميم ليس بالمفهوم الجديد. فقد اضطلعت أدوات الذكاء الاصطناعي، منذ فترة طويلة، بدور محوري في تبسيط سير العمل وتعزيز دقة وكفاءة عمليات التصميم لدينا، سواء تعلّق الأمر بتحسين مخططات الفضاءات، أو تحليل العوامل البيئية، أو إنشاء تصميمات ديناميكية ثلاثية الأبعاد. إلا أن التوسع في اعتماد أدوات التعلم الآلية القوية، مثل ستايبل ديفيوجن وميدجورني في الآونة الأخيرة، قد فتح باب عصر جديد، مكّن المصممين من استكشاف حدود إبداعاتهم وتقييم أدوارهم كمصممين للبيئة الحضرية.

وفي خضم هذه الموجة من ابتكارات الذكاء الاصطناعي القائمة على البيانات الضخمة، تدور بعض المخاوف الكبيرة حول تقادم العديد من الوظائف في مهنة الهندسة المعمارية، إذ يخشى البعض أن يحل الذكاء الاصطناعي محل المهندسين المعماريين أو أن يقلّل من قيمة دورهم. لكن لي وجهة نظر مختلفة. فقد أظهر التاريخ أن القفزات السابقة في الإنتاجية، مثل إدخال التصميم بمساعدة الكمبيوتر (CAD) والصور المولدة بالكمبيوتر (CGI)، لم تحلّ محلّ المهندسين المعماريين ولكنها رفعت من جودة العمل، ووسّعت خيارات العملاء، وساهمت في تحسين التصميم وتعزيز عملية صنع القرار. أتوقّع نتيجة مماثلة عن طريق اعتماد الذكاء الاصطناعي كأداة لتعزيز مداخلاتنا الإبداعية، وإعادة توجيهها، عوضاً عن إزالتها.

وبما أنني أقيم في الولايات المتحدة وأسافر كثيرًا لإجراء أبحاث في التصميم، فقد لاحظت وجود اتجاه سائد نحو التصميم المتجانس في الهندسة المعمارية والتصميم الداخلي وحتى الأزياء. وفي حين أن للعولمة بلا شك تأثيرات إيجابية على التصميم، فأنا أؤمن إيمانًا راسخًا بأن الفردية والتنوع في التصميم يكتسيان أهمية قصوى نظرًا لتنوع الخلفيات الثقافية للمصممين وتباين حجم التصميم ومواده وأساليبه. فلا ينبغي بالضرورة أن تشبه المباني الموجودة في جانب من العالم تلك الموجودة في جانب آخر منه. وفي ضوء سهولة استخدام أدوات الذكاء الصناعي في عملية التفكير، فإنني أتوقّع أن تسهم في الخروج من دائرة الأساليب المتجانسة التي ظهرت في جميع أنحاء العالم كرمز للحداثة، وربما حتى تشجّع العودة إلى التصميم النابع من منطقة محددة أو سياق بعينه، وهي فكرة أؤيدها بشدّة. فكثيرًا ما أدمج تلك الفكرة في تجاربي الخاصة بالفن الرقمي والعالم الافتراضي، حيث أستمدّ الأفكار من ثقافتي العربية وأمزجها بالعناصر المألوفة عالميًا، مما يسهم في الثراء الثقافي للعالم الافتراضي. فهذا التحول يتيح لنا إعادة تصور تصميم خارج قيود الأنظمة الحالية وإنشاء معمار وتصميم ينتميان حقًا إلى بيئتنا.

لدى أدوات الذكاء الاصطناعي المرئي الحالية، إلى جانب كونها سهلة المنال، قوة ملحوظة أخرى هي قدرتها على مزج مفهومين متميزين أو أكثر، مما يؤدّي إلى نتائج فريدة ومختلطة. تبدو إمكانية الدمج هذه بديعةً عند تطبيقها على الهندسة المعمارية. فعلى سبيل المثال، قد يؤدي الجمع بين العمارة المحلية والتصميم المستقبلي إلى ظهور نمط معماري جديد، مثل "الاستشراف المحلي" الذي يقدم توليفة جديدة لم تكن موجودة من قبل، فيبعدنا أكثر عن التصميمات المتشابهة.

وفيما تمَيَّز القرن الماضي بالتفكير البشري والتصنيع الآلي، بدأ التوازن بين الدور الذي يؤديه كل من الإنسان والآلة يشهد تحولًا مع إسهام الذكاء الاصطناعي في مرحلة التفكير. وإنني لأجد قلب الأدوار هذا مثيرًا للاهتمام، وأستكشفه على نطاق أصغر، حيث أستعين بالذكاء الاصطناعي لوضع تصور لتصميم قطع من الحياة اليومية، يمكن بعد ذلك تصنيعها يدويًا عن طريق نحت الحجر أو الخشب.

وسواء كان الذكاء الاصطناعي يعتمد على النصوص أو الصور، فهو يحدّد أنماطًا ضمن سلاسل بيانات موجودة، غالبًا ما يستخلصها من ذاكرة ضخمة على شبكة الإنترنت تشكلت من إسهامات بشرية، إسهامات تحمل حتمًا تحيزات، وكثيرًا ما تميل نحو التأثيرات الغربية. وبالتالي، فإن مخرجات الذكاء الاصطناعي تميل إلى نقل هذه التحيزات، ومن ثم تُشكّل تصميماتنا وفنوننا وأفكارنا اليوم مستقبل هذه الخوارزميات بشكل مباشر. لهذا تقع على عاتقنا مسؤولية إنشاء تصميمات متنوعة ومتجذرة في السياق العربي، حتى نُثري قاعدة البيانات ونسهم في جعلها أكثر توازنًا، فهي التي تستمدّ منها هذه التطبيقات معطياتها. ومع أن الأمر قد يبدو متناقضًا، إلا أنه يمكن الاستفادة من أدوات الذكاء الاصطناعي لمساعدتنا في هذه الرحلة من أجل خلق مشهد إبداعي صحي، وشمولي ومراعٍ للثقافات أكثر.

إننا نجد أنفسنا على مفترق طرق أمام العلاقة دائبة التطور بين التصميم والذكاء الاصطناعي والثقافة. ورغم أن الذكاء الاصطناعي يُحدث ثورة لا يمكن إنكارها في مختلف جوانب الإبداع والابتكار، يتعيّن علينا أن ندرك دورنا في معالجة عيوبه. فبفضل إمكاناته الهائلة، يعكس الذكاء الاصطناعي القيم والتحيزات المتأصلة في البيانات التي يتعلّم منها. وباعتبارنا مهندسين معماريين ومصممين ومبدعين، يتعين علينا أن نضطلع بدور مزدوج: تسخير القوة الإبداعية للذكاء الاصطناعي لتخطي الحدود، والعمل في الوقت نفسه بجد لتصحيح أوجه القصور فيه.

بقلم فاطمة الأسعد، المعروفة أيضًا باسم ستوم.

ستائر وردية باستخدام الذكاء الاصطناعي
موجات وردية باستخدام الذكاء الاصطناعي
منزل وردي باستخدام الذكتء الاصطناعي
قماش في البحر باستخدام الذكاء الاصطناعي