ما دفعني إلى رفض جوائز سوني العالمية للتصوير الفوتوغرافي هو رغبتي في التمييز بشكل أوضح بين التصوير الفوتوغرافي والصور المولّدة بالذكاء الاصطناعي (التصوير الفوري)، وفتح نقاش حول مستقبل العلاقة بين العمليتين.
وُلد التصوير الفوتوغرافي وإنشاء الصور بمولّدات الذكاء الاصطناعي، من رحم صناعة الصورة: إذ ينتج الأول من خلال العلاقة مع الضوء، بينما ينشأ الثاني من خلال العلاقة مع الشبكات العصبونية الاصطناعية — أو ببساطة، من خلال الاحتمالات المحسوبة رياضيًا. وهذا ما يجعل التصوير الفوتوغرافي وإنشاء الصور بمولّدات الذكاء الاصطناعي، أخوَيْن غير شقيقين يتشاركان في بعض الجينات، ويختلفان في العديد من السمات الوراثية.
وقد حان الوقت لاستكشاف دوافعنا الفردية، وسير العمل الخاص بنا، ونقاط قوتنا، حتى تحظى جميعها بالتقدير اللائق.
عالم المصوّر
التصوير الفوتوغرافي هو عبارة عن عملية لصناعة الصورة باستخدام جزيئات الضوء. وبالتالي، يؤدّي مسار معظم المصوّرين الفوتوغرافيين إلى العالم الخارجي. ويُرجع العديد منهم ذلك لإرضاء فضولهم حول الأشخاص والأماكن والثقافات، حيث إن التعاطف يغذّي تجاربهم، فيرغبون في بناء جسور تربطهم بطرق أخرى للحياة، وفي استحضار الإشكالات داخل وعيهم، وإعلاء صوت الناس، وإبراز "القدر الإنساني". تتشكّل الصورة من خلال رقصة مع العالم، أي مسار مشترك مع الناس، فيه الاحترام والثقة والتعاطف مفاتيح للصورة القوية. للكفاءات الاجتماعية مردود، فالبورتريه المتميّز يقوم على الكشف والاستكشاف.
أجل، فأولئك الذين يحبّذون العزلة في التصوير، يفتقرون لهذه الكفاءات، حيث يكون تصويرهم للآخرين من مسافات بعيدة، دون أن ينتبه إليهم أحد في أغلب الأوقات، ويكون ذلك من أجل التغلب على وحدتهم في كثير من الأحيان. وكذلك أولئك الذين يغلب عليهم "حب الظهور"، الذين يسرقون اللحظات، ليجعلوها ملكًا لهم، ويستخدمون التصوير الفوتوغرافي لإظهار ذواتهم في الواجهة الأمامية، والحصول على مكانة لم يكونوا ليحظوا بها يومًا.
وهناك أولئك الذين يريدون إطفاء شعلة التفكير، لينغمسوا بكلّيتهم في تلك اللحظة. ويرى كثيرون آخرون أنفسهم كصيادين، يقتنصون اللحظة المثالية، والتكوين الأمثل، وسط الفوضى المسماة الحياة.
وهناك من يودّ تجميد اللحظات وإيقاف الزمن، مخافة زوال الحياة. وآخرون يرغبون في التأمل عن كثب– في أنفسهم وفي غيرهم. أما بالنسبة لأغلبهم، فقد أضحى التصوير الفوتوغرافي لغة عالمية قادرة على التعبير عن رؤيا أوضح للمحتوى المُصوّر.
والقاسم المشترك بين أغلب هؤلاء، هو رغبتهم في البحث عن مكامن الجمال، والتعبير عن أنفسهم.
إنشاء الصور الذكية، والعالم
هل يحتاج توليد الصور الذكية "الخروج إلى العالم"؟ كلاّ، لكنني بحاجة إلى الخروج إلى العالم ولو لمرة واحدة، أكتسب فيها الخبرات والمعارف— فهذه هي المادة التي أعمل بها. لذلك فعند توليد الصور الذكية، فإن الرحلة بالنسبة لي تتجه داخلياً: ما الذي أريد أن أوّلده؟ لماذا؟ أستطيع أن أرسم كل شيء انطلاقًا من مخيلتي. ولكن ماذا ستكون الحصيلة؟ ما هي الخبرة التي يمكنني أن أبني عليها؟
ولأن هذه الخلفيات تتباين من مستخدم لآخر، فإني ألاحظ أن المستخدمين ينقسمون لثلاثة أنواع.
منشئ الصور الذكية العادي
يستقبل معظم المستخدمين تقنية الذكاء الاصطناعي باعتبارها طريقًا مختصرةً لإنشاء صور لم يتمكنوا من إنتاجها بواسطة مهاراتهم. إذ أن عامل الوقت لم يكن يكفيهم، أو ينقصهم الموهبة أو التدريب اللازمان، أو يفتقرون للصبر. لذلك، أثارت العملية السهلة والسريعة إعجابهم، كونها تجعلهم ينشئون صورًا تُرضي سقف تطلّعاتهم. كما أن العديد من "محبّي الظهور" هنا غير مهتمين بتصوير "القدر الإنساني" أو تجميد الزمن، بقدر ما هم مهتمون بالحصول على صورة ملفتة يصفّق لها المهلّلون. ولا ضير في كون المستخدم عنده موهبة رائدة في إبداع صور بنفسه، أو أنه موجّه بالذكاء الاصطناعي الذي يقوم بهذه المهمة، فما يهمهم هو الحصيلة. وغالبًا ما تكشف هذه الحصيلة عن الابتذال اللاواعي لدى المستخدم.
المستخدم الذكي التقني
يستخدم مبدعو الصور التجارية التقنيات الحديثة لتوفير الوقت والمال. فهم حريصون على البقاء تحت يافطة التنافس وفي الطليعة دائمًا. المستخدم الذكي التقني هو خبير في صنف معين من الصور، ويقترح حلولًا ذكية لمهمّة محدّدة، ولديه دراية بالمصطلحات وسير العمل في هذا المجال، كما أنه يتمتّع أيضًا بخبرة في المجال. لاستخدام مولّدات الصور بالذكاء الاصطناعي كأداة احترافية، ينبغي عليّ الدخول في العملية بهدف تقديم حلّ لمهمة ما وبخلفية مفادها أن أول أربع صور هي مجرد بداية فقط، ونقطة انطلاق نحو عملية تجويد مستمرة للصورة، تظهر فيها بدقة أثناء المرحلة المتوسطة من خلال النتائج، وتجاهل التغييرات، وبدء العملية من جديد، وتغييرات في سير العمل، ومزج البرامج فيما بينها. ومن أجل تقييم النتائج المحصّلة، واستخلاص التصحيحات منها، فإني أحتاج إلى خبرة في تحرير الصور وإنشائها. فالمستخدم الذكي التقني "لا يعطي أوامر فحسب"، بل يُقدّم أوامر مدروسة بناءً على معارفه وخبراته في مجال عمله.
غير أن المحصّلة لا تفتأ تكشف عن الابتذال اللاواعي المتصل بهذه الصناعة.
المستخدم الذكي الساحر
يرى الفنانون هنا أن التكنولوجيا هي تحرر للمتخيّل الفردي من القيود المادية، حيث لم تعد هناك حاجة للتقيّد بشروط معيّنة في الإنتاج، إذ بات بإمكاننا أن نختار الموضوع بكل حرية، ونوع الإجراء، والموقع، والإضاءة، والمعدات. والفنان يمكنه التعبير عن تصوّره لأول مرة كما هو وبدون أية فلترة، على عكس المستخدم التقني الذي لا يكون هدفه المقصود هو إحداث منتج ما أو إرضاء جمهور معيّن. والمسألة هنا تتعلّق بالتعبير عن "القدر الإنساني"، باستخدام تقنية تستجيب لما أطلق عليه كارل غوستاف يونغ بـ"اللاوعي الجماعي" حيث يتوحّد الذاتي مع الجماعي.
بالإضافة على ذلك، فإن الالتزام بإحداث لغات بصرية جديدة باستخدام أداة حديثة، وتوليف جماليات فريدة مستمدّة من اللغات البصرية القديمة التي لم تُشهد قط من قبل، من خلال ضبط دقيق يجعلها مُنسجمة مع المستقبل، هو أمر جذاب.
أن تصبح مستخدمًا ساحراً يتطلب المهارات الدقيقة الموجودة لدى المستخدم التقني – بالمعنى الفني – ووعيًا عميقًا بحالتك النفسية. إذا فشلت في هذا، سيظهر الابتذال اللاواعي للبشر لأنك لم تتمكن من التدقيق في بيانات التدريب الخاصة بك.
كلمة أخيرة
لا يأخذ هذا الشرح في الاعتبار إمكانية تقسيم المصورين إلى أنواع متشابهة من المستخدمين. وهذا ما سيتم التطرّق إليه في مقال آخر. أعلم أنني لم أحِط الموضوع من كافة جوانبه، بيد أنني أرى أن هذا المقال هو بمثابة حافز يُحرّك نقاشًا أعمق حول الفرق بين التصوير الفوتوغرافي وتوليد الصور الذكية – بسبيل إغناء كلا العمليتين.
بوريس إلدغسن، مصوّر فوتوغرافي ومصوّر فيديو مقيم في برلين
