س: كيف تعرفتِ أول مرة على المنسوجات، أو ما هو أول قماش ترك أثرًا في قلبك؟
لطالما كنت حساسة للغاية تجاه الأشياء المادية منذ نعومة أظفاري، خاصة الأشكال المطبوعة والتطريزات التي تصاحب المنسوجات. غالبًا ما ترتدي جدتي جلابيات مزينة بتطريزات في غاية الروعة، من خيوط ملونة إلى خرز ولآلئ اصطناعية، والتي تزيد الزخارف الأصلية للجلابية رونقًا وجمالًا. ولطالما أعجبتُ بتفاصيل هذه الملابس الدقيقة.
س: هل كانت في حياتكِ أو مسيرتكِ المهنية فترة مفصلية جعلتكِ تدركين أهمية الحفاظ على المنسوجات وأرشفتها، سواء كان ذلك اللغات البصرية الكامنة فيها أو عملية صنع النسيج من مرحلة الحصاد والصبغ إلى الحياكة والتطريز؟
بالنسبة لي، تتخطى الأرشفة حدود المنسوجات نفسها. أرى أن المنتج الملموس الذي يمكننا لمسه، والشعور به، وتقديره حق التقدير، هو أكثر فعالية. ومع أن فن النسيج يتسم بجاذبية خاصة في عملية حياكته الدقيقة، وصبغه، ومختلف التقنيات التي تدخل في صنعه، إلا أن "البطء" هو ميزة خاصة به. وهذه الوتيرة المتأنية تضفي قيمة وذائقة على كل ذكرى، أو صورة، أو كلمة، أو شكل نرغب في عرضه والحفاظ عليه.
س: لماذا تعتبرين كلاً من التوثيق والأرشفة من خلال المنسوجات مهمّاً؟
فيما تتصف عملية الحياكة بِـ"البطء" الذي يزيد عملية الأرشفة قيمة وعمقًا، يجسد توثيقي للمشهد الديناميكي في قطر عجلة المجتمع الحديث وتطوره السريع. إن الجمع بين هذين النهجين، أي البطء في توثيق السرعة، ينمّ عن تقديري لتعدد طرق الحفاظ على الثقافة وتمثيلها في مواجهة التغيير المستمر. وهكذا تصبح وتيرة الحياكة المتأنية بمثابة مواجهة تأملية للتوثيق ذي الوتيرة السريعة، مما يؤكد أهمية النسج والتوثيق في التعبير عن جوهر المكان وزمانه.
س: ما هو نوعكِ المفضل من المنسوجات المحلية أو الإقليمية (حاليًا أو دائمًا)؟ ولماذا؟
إن تشكيلة الأقمشة المتوفرة في سوقنا المحلية، والمتأثرة بالتجارة متعددة الثقافات، تأسرني بتصاميمها ذات الأبعاد الثقافية المتعددة. ومع أن هذه القطع المستوردة من الهند وكوريا الجنوبية واليابان والصين، على مر السنين، لا تحمل توقيع مصمميها، إلا أنها تحظى بتقدير كبير محليًا، إذ إنها صارت متأصلة بعمق في ثقافتنا القطرية.
س: من هم أبرز معلميكِ في تصميم النسيج وفنه؟
أتعلم الكثير من تجارب السفر ومرور الزمن وخبرات الحياة. كما أنخرط في استكشاف بصري شامل للفنون النسيجية والغرافيكية، خاصة أثناء رحلاتي. أما الأفكار، فأستمدها من العلامات التجارية العالمية مثل ماريميكو (شركة تصميم فنلندية) والموارد المحلية، فأتأمّل المشاهد المشرقة في السوق، وأستكشف تقاليد السدو، ويروقني جدّا التطريز الدقيق الذي يزين جلابيات جدتي.
س: ما هو أكبر تأثير تركه في نفسكِ تصميم موروث لنسيج ما؟
عبر استكشافي لفن النسيج، صِرتُ أتذوق أكثر التفاصيل الدقيقة والجمالية الكامنة في عملية الإبداع. أثناء قيامي بأعمال النسيج، تعاونت مع نساجين في جميع أنحاء العالم، فتعلّمت عن التأني والجمال في عملية حياكة القماش. تستهويني الوتيرة المتأنية والشوائب الناتجة عن العمل اليدوي، إلى جانب سحر التقنيات التي لا تزال تتناقلها الأجيال، خاصة في سياق التقدم التكنولوجي.
س: ماذا يضيف تصميم المنسوجات إلى الثقافة، إلى المجتمع؟
من خلال استخدامي للنسيج كوسيلة للتوثيق، أسعى إلى تذكير المجتمع بأن هناك شيئًا جميلًا في عنصري البناء والهدم، أي إيجاد الجمال الكامن في كل التفاصيل التي تحيط بنا. لذا لا بد أن نجعل المنسوجات جزءًا من تاريخ البلد والمنطقة، لا سيما في عالمنا اليوم، في زمن نشهد فيه تغيرًا سريعًا، ونميل فيه إلى نسيان هذه التفاصيل والقصص بسبب نمط حياتنا المتسارع.
س: كيف أثَّر تراث النسيج المحلي أو الإقليمي على مشروع عملتِ عليه أو على ممارستكِ بشكل عام؟
تصوغ التقنية المستخدمة بشكل كبير العديد من خياراتي الجمالية. ويأتي فن طباعة الحروف مكمّلًا لتقنية الحياكة، كما تُصمَّم الألوان وبعض الزخارف بشكل متداخل لتتناغم معها.
س: كيف تغيرت علاقتكِ بالمنسوجات مع مرور الوقت؟
صِرتُ أُقدر أكثر الصنعة والتقنيات التي أتعرّف إليها، والتي تأتي من أنحاء مختلفة من العالم.
س: كيف يمكننا التعبير عن تقديرنا لنسيج ما (وربما جعله حديثاً) ونحن نحاول أرشفة سياقه التاريخي والبيئي والاجتماعي والسياسي، والحفاظ عليه؟
بدلاً من تحديث تقنية النسج التي احتفظت بقيمتها الأصيلة على مدى آلاف السنين، أُفضِّل جعلها مواكبة لهذا العصر من خلال التلاعب بالرسومات وبث معان حديثة مع الحفاظ على جوهرها القيِّم والخالد. يسمح لنا هذا النهج بتحقيق توازن دقيق بين احترام التقاليد والتعبير عن أهمية الحِرفة في سياق اليوم.
س: كمصممة، ما هي العراقيل التي لاحظتها أو واجهتها خلال رحلة التعرف على نسيج ما وأرشفته؟
تكلفة التصنيع وإمكانية الاستفادة منه.
س: منذ نعومة أظفاركِ، تعرفت على الساحة الفنية والثقافية في قطر واندمجت فيها بفضل والدك يوسف أحمد الحميد، أحد رواد عالم الفن في قطر. وفي مقابلة سابقة معكِ، شاركتِ صورًا لكِ وأنتِ طفلة صغيرة في عروضه الافتتاحية وفي الفصول التي كان يُدرِّسها. هل يمكنكِ إخبارنا قليلاً عن هذه التجارب، هل أدركت فورًا أن هذا هو العالم الذي ترغبين في المساهمة فيه، وكيف أثرت هذه التجارب في فهمكِ لدور التعبير الفني في أرشفة التراث الثقافي؟
إن صناعة الفن ليست مجرد هواية؛ بل هي جزء أساسي من أسلوب حياتي، ولا يمكنني تصور هويتي ووجودي بدونه. كان استوديو والدي دائمًا ولا يزال بمثابة فضاء خاص بي، وما لفت انتباهي ومنحني الإلهام هو الطريقة التي استخدم بها والدي دولة قطر والمنطقة المحيطة بها كركيزة أساسية يبني عليها أعماله، حيث انغمس في الاستكشاف من خلال وسائط وتقنيات مختلفة، سواء كانت مطبوعات أو لوحات أو منحوتات وما إلى ذلك.
لم أكن أدرك في البداية أن بيئتي المحيطة يمكن أن تكون مصدرًا للإلهام خلال تلك الفترة، حيث كنت منشغلة بالبحث عن الإلهام خارج المنطقة، كالتأمل في الفن الياباني والغربي وما إلى ذلك. غير أني لم أدرك أهمية النظر إلى ما حولي واستكشاف المناظر الطبيعية المحفّزة للإلهام حتى وصلت إلى العشرينات من عمري. وشكّل هذا الإدراك لحظة فارقة أدركت فيها أهمية أرشفة التراث الثقافي المتأصل في محيطي.
كيف تبلورت بداياتك في التصميم والأرشفة، كيف بدأتِ في الإبداع كفنانة ومصممة؟
بدأت رحلتي في التصميم والأرشفة كجزء من الطبيعة الفطرية لهويتي. ومن بداية ذكرياتي، كنت أستخدم استوديو والدي كحقل لتجاربي، حيث أقضي هناك فترات لا حصر لها في الظهيرة في التصميمات الأولية والرسومات والتلوينات. وما بدأته كهواية تطور بسرعة ليصبح أسلوب حياة، وهو شغف استمر على مر السنين. أصبح تدوين اليوميات، والرسم، وإنشاء رسومات حول الموسيقيين والممثلين المفضلين لدي ومحاكاة أساليب الطباعة المختلفة جزءًا لا يتجزأ من رحلة استكشافي الفنية.
وأثارت أعمال النسيج الأخيرة فضولي الفني وشكلت لغتي البصرية، كما وضعت الأساس لرحلة التحول الإنسيابية، من هوايات الطفولة إلى الالتحاق بمدرسة التصميم التي قدّرت ميولي الفنية وصقلتها. ومن خلال هذا التطوّر المستمر، وجدت متعتي وتطلّعاتي في الجمع بين عناصر متنوعة، وتحديدًا الأجزاء المتعلقة بأرشفة الطابع المتغيّر لقطر والمنطقة حاليًا.
س: باعتبارك فنانة ومصممة متعددة التخصصات، فإنك تستخدمين عددًا كبيرًا من الوسائط الفنية في أعمالك، بدءًا من العالم الرقمي إلى الفنون التشكيلية والمادية. كيف تتجسّد ممارستك باستخدام وسائط متعددة في تصميم المنسوجات والفن الخاص بك، وما هو شكل تلك العملية؟
على الرغم من أنني أتعامل بوسائط متنوعة، إلا أن هناك لغة بصرية متماسكة تربط بعضها ببعض. تتميز رؤيتي الجمالية بالاعتماد على عدد محدود من الألوان، والأشكال البارزة، وأسلوب تصميم عصري عبر جميع الوسائط الفنية. أبدأ عملي بالتوثيق البصري من خلال الرسم، أو التصوير الفوتوغرافي، أو الكتابة، ثم أقوم برقمنة أفكاري باستخدام مواد مرجعية عند الحاجة، دون أن أنسى عملية النسج، حيث يجب على البعد الجمالي أن يكمّل الصناعة للخروج بنتيجة متماسكة.
س: متى بدأتِ العمل بالمنسوجات، ولماذا؟
بدأت رحلتي في مجال النسيج منذ حوالي 16 عامًا من خلال مشاركتي في مشروع بحثي تحت إشراف أحد أساتذتي الجامعيين. تطرّق هذا المشروع إلى تصميم المنسوجات، وقد أُدرجت به تصاميمي الغرافيكية المبنية على فن البكسل الرقمي، والتي صممتها شخصيًا. صُممت هذه الرسومات في بداية الأمر على نطاق صغير، وتوسّعت لاحقًا لتصبح وسيلة ملموسة. وقد أشعلت عملية التحول من الفن الرقمي إلى الفن الملموس شغفي بتصميم المنسوجات، من ضمن فنون مادية أخرى، ممّا ألهمني لمواصلة الاستكشاف والتطوير في المجال الإبداعي هذا.
س: يعتمد عملك في تصميم المنسوجات على جوانب مختلفة من الحياة القطرية، كما لو كنتِ تقومين بإنشاء أرشيف حي. هل كانت هذه نيتك، وكيف ستتطور ممارستك في مجال تصميم المنسوجات؟
صحيح، كانت نيتي بالفعل أرشفة المشهد الثقافي المتغير بسرعة في الدوحة وفي قطر، مغطّيةً جميع جوانبه، من الهندسة المعمارية واللغة إلى أساليب الحياة وغيرها. وأرى أن عملي يتطور في تصميم المنسوجات ليشمل مجموعة من القطع التي تعكس قصص قطر وشعبها، من سكان محليين وغير محلّيين. تُعتبر هذه القطع وسيلة لتوعية العالم بشأن هويتنا والتحولات الملحوظة التي نمرّ بها. إنها ليست مجرد منسوجات، بل روايات منسوجة بخيوط تعكس النسيج الحيوي لتطورنا الثقافي.